ان تروتسكي الذي بقي خارج كلا المعسكرين البلشفي و المنشفي اعترف اخيرا بخطئه في محاولته توحيد كلا الشقين. فبعودته الى روسيا في 1917 التحق بالبلاشفة و تم انتخابه في القيادة. و بعد عامين من نجاح الثورة كتب لينين متفكرا : " عندما استولت البلشفية على السلطة و انشات الجمهورية السوفياتية قامت بجذب افضل العناصر في تيارات الفكر الاشتراكي الى صفوفها و التي كانت الاقرب من فكرها." و من غير شك ينطبق ذلك على تروتسكي الذي كرئيس سوفيات بتروغراد و اللجنة العسكرية الثورية قاد التحضيرات التقنية و العسكرية لثورة اوكتوبر الناجحة. و في الواقع فانه خلال تلك السنوات كان اعتماد لينين على تروتسكي، مشارك لينين في قيادة الثورة، عظيما. فخلال تلك الفترة كان اسما لينين و تروتسكي لا ينفصلان عن بعضهما. "فلو قتلنا"، قال لينين سائلا تروتسكي، "اتظن ان بوخارين و سفاردلوف سينجحان؟" كان ذلك انشغال بليغ في ظرف كان فيه مصير الثورة في محل سؤال.
مع بداية الحرب الاهلية التحق الثوريون الاشتراكيون بصف الثورة المضادة و حاولوا اغتيال القادة البلاشفة. ففي الثلاثين من اوت 1918 تعرض ليني الى اطلاق بالنار و اصيب برصاص اشتراكي ثوري يساري. و مع انه عفي و عاد الى العمل فان الجرح كان الى حد كبير سببا في وفاته المبكرة خمس سنوات بعد الحادثة. تم كذلك زرع قنابل لتفجير القطار الاحمر لتروتسكي و لكن نجا الاخير باعجوبة.
ان انتصار ثورة اوكتوبر غيرت الوضع العالمي فلاول مرة في التاريخ استولت الطبقة العاملة على السلطة و انشات حكم البروليتاريا. و كانت المهام التي واجهها لينين و النظام السوفياتي هو تحقيق السلام تقوية النظام و نشر الثورة الاشتراكية عالميا. الا ان الجمهورية السوفياتية وجدت نفسها امام اخطار اعظم. فقد شرعت البرجوازية العالمية على الفور في العمل على ادمير النظام البلشفي عن طريق مساعدة الثورة المضادة و ارسال واحد و عشرون جيشا امبرياليا للغرض. و تحت قيادة تروتسكي تم بناء الجيش الاحمر العظيم من خمسة ملايين فرد لدرء الغزو الاجنبي و دحر الجيوش البيضاء داخليا.
خلال السنوات الجسيمة 1917 – 1923 تركز كامل جهد لينين على المسائل الملحة حول الدفاع و الثورة العالمية. و يتخطى عمل لينين في تلك الفترة التلخيص البسيط. فقد شمل السياسة العالمية، الحرب الاهلية، النظام الاقتصادي الجديد، بناء الاممية الشيوعية، و الكفاح ضد البيروقراطية. و ذلك الى جانب الخطابات و التقارير. كما انه كتب كلاسيكيات ماركسية مثل : اليسارية، مرض الشيوعية الطفولي و الثورة البروليتارية و المرتد كاوتسكي.
مع نهاية 1920 , و بدحر الجيش الابيض بقيادة رنغل تمت هزيمة الثورة المضادة و القوى المعتدية. كسبت الدولة السوفياتية مهلة كانت تكاليفها جد باهضة. و منحت هذه المهلة نوعا من "التوازن' بين القوى المتناحرة و كانت تلك فرصة للبلاشفة لاعداد الطبقة العاملة عالميا لموجة ثورية جديدة. كتب لينين: " لقد تم بلوغ توازن و لكنه غير مستقر البتة . انه توازن على كل حال. و اما ان كان سيدوم فانني لا اظن ذلك. و لا اعتقد ان احدا يمكن ان يتكهن بذلك. و لهذا علينا ان نكون على درجة عالية من الحذر."
و للاسف و بسبب التفكك الاقتصادي و تاخر الثورة العالمية اصاب الدولة السوفياتية من الداخل ارتكاس تميز بنمو سرطان البيروقراطية في صلب الدولة و الحزب. و مع كل هزيمة و تراجع للجماهير الروسية المنهكة انحى البيروقراطيون العمال جانبا و تزادت سيطرتهم. و كان حتميا ان تبرز هذه البيروقراطية الرجعية داخل الحزب البلشفي نفسه و انعكست في شخصية ستالين. و بعد موت لينين ادى هذا النمو الطفيلي من على ظهر دولة العمال الى التجريد السياسي للطبقة العاملة تكون نظام تسلطي (توتاليتاري) في عهد ستالين.
منذ نهاية 1922 فلاحقا كان نضال لينين الاخير ضد ذلك الارتكاس البيروقراطي. و من سوء الحظ ان اصابة لينين الاولى في ربيع 1922 ادت الى شلل في ذراعه و ساقه اليمنى. و بعد تعافيه تمكن من العودة الى العمل في اخر السنة. و في ديسمبر كانت الاصابة الثانية التي اشد من الاولى. و من على فراش موته كان لينين يعد ضربة ضد ستالين و حلفائه الذين كانوا مشغولين بالتامر ضد تروتسكي. كتبت سكريتيرة لينين فوتييفا تقول: "كان فلاديمير ايليتش يعد قنبلة لستالين خلال المؤتمر القادم." و من ذلك ان شكل كتلة سرية مع تروتسكي حول المسالة الجرجية و مسائال هامة اخرى. و اخيرا و في وصيته التي كتبها بين الرابع و العشرون و الخامس و العشرون من ديسمبر، مع ملحوظة ارفقها في الرابع من جانفي 1923 ، حث لينين على تنحية ستالين كامين عام للحزب. و بعد شهرين قطع جميع علاقاته الشخصية مع ستالين و نشر مقاله الشهير اقل و لكن افضل، و الذي احتوى هجوما ضاريا على تفقدية العمال و الفلاحين (رابكرين) برئاسة ستالين. و كتب مصرحا: "ان لدينا بيروقراطية ليس في المؤسسات السوفياتية فحسب بل و في الحزب ايضا." و في الوقت الذي كان ينتظر فيه ردا من ستالين اصيب لينين للمرة الثالثة و فقد القدرة على الكلام. و رغم استرجاعه لبعض صحته الانه انه توفي من جراء نزيف في الدماغ في جانفي 1924.
قام ستالين بكتم وصية لينين. و تمكن من وراء الكواليس من احكام قبضته على جهاز الدولة. و ساعدت وفاة لينين و انعزال الثورة ستالين على تركيز السلطة بين يديه. و كجزء من ذلك طرد المعارضة اليسارية التي كان يقودها تروتسكي. و في في منتصف الثلاثينات تحت حكم ستالين تشكلت في الاتحاد السوفياتي ثورة مضادة قائمة على حقوق الملكية القومية . و مثلت محاكم التطهير حماما من الدم فصل و نظام لينين عن نظام ستالين.
يتبع